034-001 الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، الذي له ملك ما في السموات وما في الأرض، وله الثناء التام في الآخرة، وهو الحكيم في فعله، الخبير بشؤون خلقه.
034-002 يعلم كل ما يدخل في الأرض من قطرات الماء، وما يخرج منها من النبات والمعادن والمياه، وما ينزل من السماء من الأمطار والملائكة والكتب، وما يصعد إليها من الملائكة وأفعال الخلق. وهو الرحيم بعبادهفلا يعاجل عصاتهم بالعقوبة، الغفور لذنوب التائبين إليه المتوكلين عليه.
034-003 وقال الكافرون المنكرون للبعث: لا تأتينا القيامة، قل لهم -أيها الرسول-: بلى وربي لتأتينَّكم، ولكن لا يعلم وقت مجيئها أحد سوى الله علام الغيوب، الذي لا يغيب عنه وزن نملة صغيرة في السموات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا هو مسطور في كتاب واضح، وهو اللوح المحفوظ؛ ليثيب الذين صدَّقوا بالله، واتَّبَعوا رسوله، وعملوا الصالحات. أولئك لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم، وهو الجنة.
034-004 وقال الكافرون المنكرون للبعث: لا تأتينا القيامة، قل لهم -أيها الرسول-: بلى وربي لتأتينَّكم، ولكن لا يعلم وقت مجيئها أحد سوى الله علام الغيوب، الذي لا يغيب عنه وزن نملة صغيرة في السموات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا هو مسطور في كتاب واضح، وهو اللوح المحفوظ؛ ليثيب الذين صدَّقوا بالله، واتَّبَعوا رسوله، وعملوا الصالحات. أولئك لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم، وهو الجنة.
034-006 ويعلم الذين أُعطوا العلم أن القرآن الذيأُنزل إليك من ربك هو الحق، ويرشد إلى طريق الله، العزيز الذي لا يغالَب ولا يمانع، بل قهر كل شيء وغلبه، المحمود في أقواله وأفعاله وشرعه.
034-007 وقال الذين كفروا بعضهم لبعض استهزاء: هل ندلكم على رجل (يريدون محمدًا صلى الله عليه وسلم) يخبركم أنكم إذا متم وتفرقت أجسامكم كل تفرُّق، إنكم ستُحيون وتُبعثون من قبوركم؟ قالوا ذلك مِن فرط إنكارهم.
034-008 هذا الرجل أختلق على الله كذبًا أم به جنون، فهو يتكلم بما لا يدري؟ ليس الأمر كما قال الكفار، بل محمد أصدق الصادقين. والذين لا يصدقون بالبعث ولا يعملون من أجله في العذاب الدائم في الآخرة، والضلال البعيد عن الصواب في الدنيا.
034-009 أفلم ير هؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالآخرة عظيم قدرة الله فيما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض مما يبهر العقول، وأنهما قد أحاطتا بهم؟ إن نشأ نخسف بهم الأرض، كما فعلنا بقارون، أو ننزل عليهم قطعًا من العذاب، كما فعلنا بقوم شعيب، فقد أمطرت السماء عليهم نارًا فأحرقتهم. إن في ذلك الذي ذكرنا من قدرتنا لَدلالة ظاهرة لكل عبد راجع إلى ربه بالتوبة، ومقر له بتوحيده، ومخلص له في العبادة.
034-011 أن اعمل دروعًا تامات واسعات وقدِّر المسامير في حِلَق الدروع، فلا تعمل الحلقة صغيرة فتَضْعُف، فلا تقوى الدروع على الدفاع، ولا تجعلها كبيرة فتثقُل على لابسها، واعمل يا داود أنت وأهلك بطاعة الله، إني بما تعملون بصير لا يخفى عليَّ شيء منها.
034-012 وسخَّرنا لسليمان الريح تجري من أول النهار إلى انتصافه مسيرة شهر، ومن منتصف النهار إلى الليل مسيرة شهر بالسير المعتاد، وأسلنا له النحاس كما يسيل الماء، يعمل به ما يشاء، وسخَّرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يعدل منهم عن أمرنا الذي أمرناه به من طاعة سليمان نذقه من عذاب النار المستعرة.
034-013 يعمل الجن لسليمان ما يشاء من مساجد للعبادة، وصور من نحاس وزجاج، وقِصَاع كبيرة كالأحواض التي يجتمع فيها الماء، وقدور ثابتات لا تتحرك من أماكنها لعظمهن، وقلنا يا آل داود: اعملوا شكرًا لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره، وقليل من عبادي من يشكر الله كثيرًا، وكان داود وآله من القليل.
034-014 فلما قضينا على سليمان بالموت ما دلَّ الجن على موته إلا الأرَضَةُتأكل عصاه التي كان متكئًا عليها، فوقع سليمان على الأرض، عند ذلك علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما أقاموا في العذاب المذلِّ والعمل الشاق لسليمان؛ ظنا منهم أنه من الأحياء. وفي الآية إبطال لاعتقاد بعض الناس أن الجن يعلمون الغيب؛ إذ لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا وفاة سليمان عليه السلام، ولما أقاموا في العذاب المهين.
034-015 لقد كان لقبيلة سبأ بـ "اليمن" في مسكنهم دلالة على قدرتنا: بستانان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم، واشكروا له نعمه عليكم؛ فإن بلدتكم كريمة التربة حسنة الهواء، وربكم غفور لكم.
034-016 فأعرضوا عن أمر الله وشكره وكذبوا الرسل، فأرسلنا عليهم السيل الجارف الشديد الذي خرَّب السد وأغرق البساتين، وبدَّلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواتَيْ أكل خمط، وهو الثمر المر الكريه الطعم، وأثْل وهو شجر شبيه بالطَّرْفاء لا ثمر له، وقليل من شجر النَّبْق كثير الشوك. ذلك التبديل من خير إلى شر بسبب كفرهم، وعدم شكرهم نِعَمَ الله، وما نعاقب بهذا العقاب الشديد إلا الجَحود المبالغ في الكفر، يجازى بفعله مثلا بمثل.
034-017 فأعرضوا عن أمر الله وشكره وكذبوا الرسل، فأرسلنا عليهم السيل الجارف الشديد الذيخرَّب السد وأغرق البساتين، وبدَّلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواتَيْ أكل خمط، وهو الثمر المر الكريه الطعم، وأثْل وهو شجر شبيه بالطَّرْفاء لا ثمر له، وقليل من شجر النَّبْق كثير الشوك. ذلك التبديل من خير إلى شر بسبب كفرهم، وعدم شكرهم نِعَمَ الله، وما نعاقب بهذا العقاب الشديد إلا الجَحود المبالغ في الكفر، يجازى بفعله مثلا بمثل.
034-018 وجعلنا بين أهل "سبأ" -وهم "باليمن"- والقرى التي باركنا فيها -وهي "الشام"- مُدنًا متصلة يُرى بعضها من بعض، وجعلنا السير فيها سيرًا مقدَّرًا من منزل إلى منزل لا مشقة فيه، وقلنا لهم: سيروا في تلك القرى في أيِّ وقت شئتم من ليل أو نهار، آمنين لا تخافون عدوًّا، ولا جوعًا ولا عطشًا.
034-019 فبطغيانهم ملُّوا الراحة والأمن ورغد العيش، وقالوا: ربنا اجعل قُرانا متباعدة؛ ليبعد سفرنا بينها، فلا نجد قرى عامرة في طريقنا، وظلموا أنفسهم بكفرهم فأهلكناهم، وجعلناهم عبرًا وأحاديث لمن يأتي بعدهم، وفَرَّقناهم كل تفريق وخربت بلادهم، إن فيما حل "بسبأ" لَعبرة لكل صبَّار على المكاره والشدائد، شكور لنعم الله تعالى.
034-020 ولقد ظن إبليس ظنًا غير يقين أنه سيضل بني آدم، وأنهم سيطيعونه فيمعصية الله، فصدَّق ظنه عليهم، فأطاعوه وعصوا ربهم إلا فريقًا من المؤمنين بالله، فإنهم ثبتوا على طاعة الله.
034-021 وما كان لإبليس على هؤلاء الكفار مِن قهر على الكفر، ولكن حكمة الله اقتضت تسويله لبني آدم؛ ليظهر ما علمه سبحانه في الأزل؛ لنميز مَن يصدِّق بالبعث والثواب والعقاب ممن هو في شك من ذلك. وربك على كل شيء حفيظ، يحفظه ويجازي عليه.
034-022 قل -أيها الرسول- للمشركين: ادعوا الذين زعمتموهم شركاء لله فعبدتموهم من دونه من الأصنام والملائكة والبشر، واقصدوهم في حوائجكم، فإنهم لن يجيبوكم، فهم لا يملكون وزن نملة صغيرة في السموات ولا في الأرض، وليس لهم شِرْكة فيهما، وليس لله من هؤلاء المشركين معين على خلق شيء، بل الله -سبحانه وتعالى- هو المتفرد بالإيجاد، فهو الذي يُعْبَدُ وحده، ولا يستحق العبادة أحد سواه.
034-023 ولا تنفع شفاعة الشافع عند الله تعالى إلا لمن أذن له. ومن عظمته وجلاله عز وجل أنه إذا تكلم سبحانه بالوحي فسمع أهل السماوات كلامه أُرعدوا من الهيبة، حتى يلحقهم مثل الغشي، فإذا زال الفزع عن قلوبهم سأل بعضهم بعضًا: ماذا قال ربكم؟ قالت الملائكة: قال الحق، وهو العليُّ بذاته وقهره وعلوِّ قدْره،الكبير على كل شيء.
034-024 قل -أيها الرسول- للمشركين: مَن يرزقكم من السماوات بالمطر، ومن الأرض بالنبات والمعادن وغير ذلك؟ فإنهم لا بدَّ أن يُقِرُّوا بأنه الله، وإن لم يُقِرُّوا بذلك فقل لهم: الله هو الرزاق، وإنَّ أحد الفريقين منا ومنكم لعلى هدى متمكن منه، أو في ضلال بيِّن منغمس فيه.
034-026 قل: ربنا يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة، ثم يقضي بيننا بالعدل، وهو الفتَّاح الحاكم بين خلقه، العليم بما ينبغي أن يُقْضى به، وبأحوال خلقه، لا تخفى عليه خافية.
034-027 قل: أروني بالحجة والدليل الذين ألحقتموهم بالله وجعلتموهم شركاء له في العبادة، هل خلقوا شيئًا؟ ليس الأمر كما وصفوا، بل هو المعبود بحق الذي لا شريك له، العزيز في انتقامه ممن أشرك به، الحكيم في أقواله وأفعاله وتدبير أمور خلقه.
034-030 قل لهم -أيها الرسول-: لكم ميعاد هو آتيكم لا محالة، وهو ميعاد يوم القيامة، لا تستأخرون عنه ساعة للتوبة، ولا تستقدمون ساعةً قبله للعذاب. فاحذروا ذلك اليوم، وأَعِدُّوا له عدته.
034-031 وقال الذين كفروا: لن نصدِّق بهذا القرآن ولا بالذي تَقَدَّمَه من التوراة والإنجيل والزبور، فقد كذَّبوا بجميع كتب الله. ولو ترى -أيها الرسول- إذ الظالمون محبوسون عند ربهم للحساب، يتراجعون الكلام فيما بينهم، كل يُلْقي بالعتاب على الآخر، لرأيت شيئًا فظيعا، يقول المستضعفون للذين استكبروا -وهم القادة والرؤساء الضالون المضلون-: لولا أنتم أضللتمونا عن الهدى لكنا مؤمنين بالله ورسوله.
034-033 وقال المستضعفون لرؤسائهم في الضلال: بل تدبيركم الشر لنا في الليل والنهار هو الذي أوقعنا في التهلكة، فكنتم تطلبون منا أن نكفر بالله، ونجعل له شركاء في العبادة، وأسرَّ كُلٌّ من الفريقين الحسرة حين رأوا العذاب الذي أُعدَّ لهم، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا، لا يعاقَبون بهذاالعقاب إلا بسبب كفرهم بالله وعملهم السيئات في الدنيا. وفي الآية تحذير شديد من متابعة دعاة الضلال وأئمة الطغيان.
034-034 وما أرسلنا في قرية من رسول يدعو الى توحيد الله وإفراده بالعبادة، إلا قال المنغمسون في اللذات والشهوات من أهلها: إنَّا بالذي جئتم به -أيها الرسل- جاحدون.
034-036 قل لهم -أيها الرسول-: إن ربي يوسِّع الرزق في الدنيا لمن يشاء مِن عباده، ويضيِّق على مَن يشاء، لا لمحبة ولا لبغض، ولكن يفعل ذلك اختبارًا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك اختبار لعباده؛ لأنهم لا يتأملون.
034-037 وليست أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا قربى، وترفع درجاتكم، لكن مَن آمن بالله وعمل صالحًا فهؤلاء لهم ثواب الضعف من الحسنات، فالحسنة بعشر أمثالها إلى ما يشاء الله من الزيادة، وهم في أعالي الجنة آمنون من العذاب والموت والأحزان.
034-039 قل -أيهاالرسول- لهؤلاء المغترين بالأموال والأولاد: إن ربي يوسِّع الرزق على مَن يشاء من عباده، ويضيِّقه على مَن يشاء؛ لحكمة يعلمها، ومهما أَعْطَيتم من شيء فيما أمركم به فهو يعوضه لكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالثواب، وهو -سبحانه- خير الرازقين، فاطلبوا الرزق منه وحده، واسعَوا في الأسباب التي أمركم بها.
034-040 واذكر -أيها الرسول- يوم يحشر الله المشركين والمعبودين من دونه من الملائكة، ثم يقول للملائكة على وجه التوبيخ لمن عبدهم: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون مِن دوننا؟
034-041 قالت الملائكة: ننزهك يا ألله عن أن يكون لك شريك في العبادة، أنت وليُّنا الذي نطيعه ونعبده وحده، بل كان هؤلاء يعبدون الشياطين، أكثرهم بهم مصدقون ومطيعون.
034-043 وإذا تتلى على كفار "مكة" آيات الله واضحات قالوا: ما محمد إلا رجل يرغب أن يمنعكم عن عبادة الآلهة التي كان يعبدها آباؤكم، وقالوا: ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا -يا محمد- إلا كذب مختلق، جئتَ به من عند نفسك، وليس مِن عند الله، وقالالكفار عن القرآن لما جاءهم: ما هذا إلا سحر واضح.
034-044 وما أنزلنا على الكفار مِن كُتُب يقرؤونها قبل القرآن فتدلهم على ما يزعمون من أن ما جاءهم به محمد سحر، وما أرسلنا إليهم قبلك -أيها الرسول- من رسول ينذرهم بأسنا.
034-045 وكذَّب الذين من قبلهم كعاد وثمود رسلنا، وما بلغ أهل "مكة" عُشرَ ما آتينا الأمم السابقة من القوة، وكثرة المال، وطول العمر وغير ذلك من النعم، فكذبوا رسلي فيما جاؤوهم به فأهلكناهم، فانظر -أيها الرسول- كيف كان إنكاري عليهم وعقوبتي إياهم؟
034-046 قل -أيها الرسول- لهؤلاء المكذبين المعاندين: إنما أنصح لكم بخصلة واحدة أن تنهضوا في طاعة الله اثنين اثنين وواحدًا واحدًا، ثم تتفكروا في حال صاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما نسب إليه، فما به من جنون، وما هو إلا مخوِّف لكم، ونذير من عذاب جهنم قبل أن تقاسوا حرها.
034-047 قل -أيها الرسول- للكفار: ما سألتكم على الخير الذي جئتكم به من أجر فهو لكم، ما أجري الذي أنتظره إلا على الله المطَّلِع على أعمالي وأعمالكم، لا يخفى عليه شيء فهو يجازي الجميع، كلٌّ بما يستحقه.
034-048 قل -أيها الرسول- لمن أنكر التوحيد ورسالة الإسلام: إن ربي يقذفالباطل بحجج من الحق، فيفضحه ويهلكه، والله علام الغيوب، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
034-051 ولو ترى -أيها الرسول- إذ فَزِعَ الكفار حين معاينتهم عذاب الله، لرأيت أمرًا عظيمًا، فلا نجاة لهم ولا مهرب، وأُخذوا إلى النار من موضع قريب التناول.
034-052 وقال الكفار -عندما رأوا العذاب في الآخرة-: آمنا بالله وكتبه ورسله، وكيف لهم تناول الإيمان في الآخرة ووصولهم له من مكان بعيد؟ قد حيل بينهم وبينه، فمكانه الدنيا، وقد كفروا فيها.
034-053 وقد كفروا بالحق في الدنيا، وكذبوا الرسل، ويرمون بالظن من جهة بعيدة عن إصابة الحق، ليس لهم فيها مستند لظنهم الباطل، فلا سبيل لإصابتهم الحق، كما لا سبيل للرامي إلى إصابة الغرض من مكان بعيد.
034-054 وحيل بين الكفار وما يشتهون من التوبة والعودة إلى الدنيا ليؤمنوا، كما فعل الله بأمثالهم من كفرة الأمم السابقة،إنهم كانوا في الدنيا في شَكٍّ من أمر الرسل والبعث والحساب، مُحْدِث للريبة والقلق، فلذلك لم يؤمنوا.